Different Articles on Koul Alarab"أنا آشوربانيپال"
عن المعرض الخاص به في المتحف البريطاني؛ مقالي في "كلّ العرب" الغرّاء؛ العدد السابع، آذار (مارس) ٢٠١٩ جزيل الشكر للناشر ورئيس التحرير الاستاذ علي المرعبي المحترم. *** #ميّ_العيسى "أنا آشور بانيپال" "أنا آشور بانيپال (٦٦٩-٦٣١ق. م) ها "أنا" ذا، ملك العالم، ملك آشور." بدأ المعرض في الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٨ وينتهي في الرابع والعشرين من شباط (فبراير) ٢٠١٩ في المتحف البريطاني-لندن. من عادته إقامة معارض بين الفترة والأخرى بالتعاون مع متحفي برلين الألماني الذي يحتوي على أكبر عدد من الآثار العراقية كبوابة عشتار وغيرها من الروائع، واللوفر، الذي يليه، بمسلة حمورابي كما مناطق وفقاً لكلِّ محور. "أنا آشور بانيپال" هو اسم المعرض الخاص الذي يقيمه المتحف البريطاني احتفاءً بآشور بانيپال العراقي الأصل وبرعاية شركة النفط البريطانية British Petroleum الشركة الأولى في العراق التي استثمرت نفط العراق منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى (١٩١٤-١٩١٨) إذ كان حقل بابا غرغر في كركوك شمالي العراق أكبر حقل في العالم في العشرينات. كانت أول شركة تعود بعد اجتياح العراق في ٢٠٠٣ لتستثمر في ثالث حقل بالعالم ألا وهو حقل الرميلة جنوبي العراق بعد غياب أكثر من ٣٥ عاماً وذلك بعد تأميم النفط العراقي في ١٩٧٢. تُرى ما الذي يوّد المنسّق والراعي أن يوصلاه لنا في هذا الوقت بالذات؟ لا سيّما ومحور المعرض يرّكز على الحروب والإقتتال، الفتنة والجبروت؟ جوبه المعرض بوقفات احتجاجية إثر افتتاحه من قبل حركة الديمقراطية الحديثة Real Democracy Movement وقد وجهت الحركة كلمتها متقمصةً راعي المعرض موجهةً إياها إلى الزائرين من شتى أنحاء العالم؛ تقول: "إنّه لَمِن دواعي سرورنا أن نرعى (مواضيع وأسس) هامة من العراق القديم. مَثلُنا مَثل آشور بانيپال إذ نعمل ما في وسعنا لإبقاء السيطرة على ثروات المنطقة ومواردها. ولَكَم نحن سعداء بأننا قد تمكنا من التركيز على مصالحنا وكنا في صُلب أمر اجتياح العراق في ٢٠٠٣. وضّحت وزارة الخارجية ذلك بعد أن ضغطنا عليهم في ٢٠٠٢ بأنّ "العراق مركز تنقيبٍ كبير للنفط، وأن شركة النفط البريطانية مستقتلة ومتلهفة للذهاب هناك، وعلى الصفقات السياسية أن لا ترفض هذه الفرصة الثمينة." وها نحن اليوم فيها، وآبارنا في العراق تزداد ربحاً يوماً بعد يوم، بينما يحتج العراقيون بالشوارع على أبسط الخدمات. نحن على ثقة بأن إمبراطوريتنا ستستمر إلى أبد الآبدين. أو على الأقل حتى يسحبنا التغيير المناخي من مهمتنا الأساسية بتنقيب النفط ونصل إلى مرحلةٍ كارثية. استمتعوا بالمعرض! شركة النفط البريطانية تحت شعار: نرعى الماضي وندمّر المستقبل" فهل لي أن أستمتع بعد هذا؟ أم أتمنى لآشور بانيپال بأن يستفيق من غفوته الطويلة العميقة ليينقذنا: آشور بانيپال. المحارب. العلماني. الإمبراطور. قاتل الملوك. صائد الأسود. المهتم بالأدب والعلم وحتى التكنولوجيا. الريّ والزراعة. أمين مكتبة مُنسّقة مُبوبة عامرة بالعلم والطبّ والأدب ومن بينها ملحمة گلگامش الملحمة الشِعرية التي توّضح طوفان نوح عليه السلام وقد حافظ عليها حتى حينما حُرقت المكتبة فزادت النيران من رصانة الألواح بكتاباتها المسمارية، ها هي بعض الألواح الدقيقة تجثو عليها آثار الحريق، أخرى قد كُسرت والقليل مما تُلف —فالفخار يتصلد أكثر بالنار ويا ليت مكتباتنا الحالية كذلك! لعلم المراسلات أثرٌ كبير لا سيّما في الحفر على لوح بحجم عقلة الإصبع ومظروف صغير رقيق وختم خاصّ —فيا لقوّة البصر والعين التي ترى! كانت الرسائل الرسمية تُرسل وتصل إلى صاحبها في يومٍ لا يصل ليله وغالباً ما تكون هذه الرسائل أمنية وعسكرية. في حفلٍ بانورامي فنيّ شامل تداخلت تكنولوجيا الحاضر وإضاءاته الملونة بتقنية الماضي ونحته الدقيق. النحت البارز على الجدران ميزة الفن الرافديني الأصيل. فلم بانورامي موّسع هو أساس الأفلام الحالية وعلمها؛ فها نحن نرى بدقة وبتسلسل أحداث الصيد والحرب والموت وهاتيك الجثث التي تطوف على الشطّ —أحداثٌ تتكرر على مدى التاريخ في عراقنا. يستمر توضيح الأحداث بنماذج مصغرة لخرائط المنطقة كما على أرض المعرض بهذه الإضاءات الملوّنة. يرّكز المعرض على الجانب الحربيّ كثيراً والصراع الداخلي بين العائلة وتقسيم السلطة. إسارحَدّون الذي كان هو أساساً من قتل والده سنحاريب طمعاً بالسلطة، ها هو يسلّم ولاية العهد لابنه الأصغر آشور بانيپال بعد موت الابن الاكبر متخطياً الأوسط ليوّلد الصراع بينهما وعلى العرش. فها هو آشور بانيپال يعتلي عرش آشور الكبير وأخيه الأوسط شَمَشً-شُم-أُكين يُنصب لعرش بابل فقط ليكون دون أخيه الأصغر فتزداد حمّى الحروب بينهما لاحقاً. لم يرق الأمر للأخ الأوسط ذلك فتآمر عليه وحين أحسّ آشور بانيپال بذلك حاصر بابل لسنتين أكل فيها الآباء أباناءهم من شدة الجوع. لم يقف آشور بانيپال عند حدّ تعلم أصول المَلَكية والتدريب العسكري بدءً من صيد الأسود بالنِبال وقطع لسانها وسلخ جلدها وحسب فقد عمل جاسوساً على والده متيّقناً لأعدائه. وهكذا توسعت مملكته لتشمل نينوى شمال العراق وتتعداها إلى إيران شرقاً وقبرص ومصر غرباً وجنوباً في الوقت الذي كانت أثينا في مهدها وروما مجرد مستعمرة صغيرة لم تولد بعد. بذل جهده مع حكام عيلام الفارسية حتى سحقهم وجلب مَن نجا منهم أسرى إلى آشور مقيدين بالسلاسل. قصره وجنائنه ظلت وتظلّ أسطورة من الأساطير لقرونِ تأتي. ويظلّ لغز وفاته حتى اكتشاف كافة الأُرقُم. فقد اعتقد البعض ومنهم الإيرانيين أنّه انتحر في قصره عند سقوط نينوى محاطاً بالذهب والفضة حتى ندد بذلك علماء الآثار لاحقاً موضحين بأنّ قد توفي (ولا تحديد لطريقة وفاته إن كان قتلاً أو ميتةً عادية) في ٦١٢ ق.م. وقد تدهورت الولاية بعده وقد ابتلعت مجموعات من هنا وهناك المدن الآشورية. لا يُعرف الكثير عمن اعتلى العرش بعده. ينتهي المعرض بآخر ظهورٍ لآشور بانيپال ودخان العربات الحربية الرمادي والأسود الذي وجهته البروجكترات في نهاية المطاف على آخر جدار أملس في المعرض معلنة دخان النفط. أخرج وفي قلبي رجفة خوف وحسرة |